نص كلمة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي خلال مؤتمر علماء اليمن السنوي 1444-2022
28-09-2022م
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
أيُّها الآباء الأجلاء من العلماء وحملة العلم الحاضرين في هذا المؤتمر المهم، وهذه الفاعلية المهمة
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
ونبارك لكم، ولكل شعبنا اليمني المسلم العزيز، وكافة أمتنا الإسلامية، بحلول شهر ربيعٍ الأول، ذكرى مولد خاتم أنبياء الله، وسيِّد رسله، رسول الله محمد بن عبد الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين”.
جديرٌ بالعلماء الربَّانيين، وبحملة العلم الصالحين، أن يكونوا هم في طليعة الأمة في السعي للاستفادة من هذه المناسبة المباركة، في العمل على الارتقاء بأمتنا الإسلامية على المستوى الإيماني: روحياً، وتربوياً، وثقافياً، وأخلاقياً، والسعي للارتقاء بوعيها وبصيرتها في مواجهة أعدائها والتصدي للتحديات والمخاطر التي تستهدفها.
وكذلك للتذكير للأمة بعظيم نعمة الله “تبارك وتعالى” عليها بالقرآن والرسول، النعمة العظيمة برسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وبما بعثه الله به من الهدى والنور، كما قال “جلَّ شأنه” في القرآن الكريم: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الجمعة: 2-4]، الفضل العظيم، والرحمة الواسعة، والشرف الكبير، هي العناوين لما منَّ الله به من نعمة الهداية بالرسول والقرآن الكريم على هذه الأمة، كما في آياتٍ أخرى عندما قال الله “سبحانه وتعالى”: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: الآية107]، رحمة تشمل هذه الأمة بالدرجة الأولى، وتمتد إلى سائر العالمين، وكما قال “جلَّ شأنه”: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}[الزخرف: الآية44].
ومن أحوج ما تحتاج إليه الأمة، هو: أن تعي عظمة هذه النعمة، وأهميتها، وأن تقدِّرها، وأن تعرف بوضوح كيفية الشكر لله عليها، وأن تحذر من الاستبدال لها، كما قال الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[البقرة: الآية211].
الخطر على الأمة، والغفلة الكبيرة التي هي فيها، هي في عدم استيعاب أهمية وعظمة هذه الرسالة لصلاح وضعها، واستقامة شؤونها، وحلِّ مشاكلها، والنهوض بها، والارتقاء بها، وما يتحقق من خلالها للأمة من عزةٍ، وكرامةٍ، وفلاحٍ، في الدنيا والآخرة، وما يتحقق لها من خلالها وبها من الخير العظيم، من الرعاية الإلهية الشاملة، من رحمة الله الواسعة التي تتجه في أثرها إلى واقع الحياة، إلى النفوس، وإلى الأعمال؛ وبالتالي إلى واقع الحياة، فهذه المناسبة فرصةٌ للتذكير بهذه النعمة.
وأيضاً هذه المناسبة لعلاقتها برسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، والحديث عنه، وعن سيرته، وعن رسالته، وعن تعليماته وهديه، مجمعٌ لكل المبادئ الإلهية، ولكل مكارم الأخلاق، والتعليمات الإلهية، والقيم الإسلامية؛ وبالتالي فهذه المناسبة هي مدرسة متكاملة معطاءة، تقدِّم ما تحتاجه الأمة، وما يساعدها على الارتقاء الإيماني والأخلاقي والإنساني من جهة، وهذا من أهم ما تحتاجه الأمة، ومن أهم ما في الإسلام من عطاء، ما في الرسالة الإلهية، ما قدَّمه الرسول “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” للأمة، وأيضاً التصدي لمؤامرات أعداء الأمة من جهة، وهذا أيضاً من أهم ما قدَّمه الرسول والقرآن، وأيضاً معالجة مشاكل الأمة الاجتماعية والسياسية… وكافة مشاكلها من جهةٍ أخرى، وكذلك فيما يتعلق بالنهوض الحضاري للأمة من جهةٍ رابعة، كل هذا في كل ما يتعلق به من عناوين وتفاصيل يمكن الاستفادة من المناسبة هذه في الحديث عنه.
كما أنَّ الأمة في هذه المرحلة وهي تواجه المخاطر الكبرى في استهداف الأعداء لها، وسعيهم إلى طمس معالم الإسلام، وتشويه الإسلام، ومسخ الهوية الثقافية للمسلمين، وهدفهم في ذلك، هو: تسهيل السيطرة التامة على المسلمين، وهذا من أهم ما ينبغي التذكير للجميع به، وترسيخ الوعي به في أوساط الأمة، الأعداء يركِّزون في البداية على الأسس والمبادئ التي تحيي الأمة، وتنهض بالأمة؛ لكي يصلوا فيما بعد ذلك إلى غيرها، فهم يعادون الإسلام جملةً وتفصيلاً.
من أهم ما يقوم به العلماء الربَّانيون، وحملة العلم الصالحون في هذه المرحلة، وكذلك المثقفون المتنوِّرون، والمرشدون الواعون، هو:
ترسيخ الانتماء الإيماني في كل العناوين الإيمانية.
وترسيخ مبدأ الاقتداء والتأسي برسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم”، كما قال الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: الآية21].
وترسيخ عظمة الرسول والقرآن، والاعتزاز بالانتماء للإسلام، بما يحصِّن الأمة ويحمي الشباب من حالة الانفلات والفوضى في التلقي والتأثر بالآخرين.
تعزيز الارتباط بهذا الانتماء الإيماني شيءٌ مهمٌ جداً؛ لأن من أكثر ما يعاني منه الكثير من الشباب، خاصةً مع وسائل الإعلام، ومواقع التواصل، والفضاء الإلكتروني، والإنترنت، هو فوضى التأثر بما يأتي من الآخرين، والتلقي لما يأتي من الآخرين، حالةٌ من الانفلات، ليس هناك ارتباط وثيق بكل ما يعنيه هذا الارتباط بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” والقرآن، كقنوات للهداية الإلهية، وعدم التأثر بالآخرين، والوعي، والبصيرة تجاه الآخرين.
ومن المهم أيضاً العمل بشكلٍ مكثف، والعناية القصوى بالوعي والبصيرة، وفضح الأعداء، وكشف مؤامراتهم على الأمة، والتصدي لسعيهم الدؤوب لإفساد مجتمعنا المسلم، وسعيهم المستمر لضرب زكاء نفوس أبناء مجتمعنا المسلم، وسعيهم المستمر لتشجيع الشباب على الانحراف، ومحاولاتهم لحماية الانحراف، فيما بعد التحويل له إلى ظاهرة في المجتمعات الإسلامية، وإدخالهم له تحت عناوين الحقوق، هذه مسألة خطيرة جداً، والأعداء من خلال ذلك هم يستهدفون الأمة وشبابها استهدافاً عدائياً؛ إنما هم يستخدمون أسلوب الشيطان، عندما حاول أن يشتغل على الغريزة البشرية، وقال لآدم “عليه السلام”: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}[طه: من الآية120]، فهم يقدِّمون العناوين المخادعة، ويسعون إلى إثارة الغرائز البشرية؛ بغية الإيقاع بالمسلمين للسيطرة عليهم، وبدافعٍ عدائيٍ بكل ما تعنيه الكلمة، وكلما كانت هجمة الأعداء أكبر، ومخاطر الضلال على الأمة أكثر؛ كلما تعاظمت مسؤولية التبيين على حملة العلم، وهذه مسألة مهمة جداً، لذلك ينبغي تكثيف الجهد، وملاحظة الواقع، وملامسة مشاكل المجتمع، والتنبيه على مكائد الأعداء بشكلٍ واضح.
وعلينا مهما كانت هجمة الأعداء أن ننطلق ونحن نتحمل المسؤولية، ونتحرك بالتصدي لمساعيهم في الإضلال والإفساد للأمة الإسلامية، أن ننطلق في التصدي لهم، وفي نشر حقائق الإسلام كما هي بشكلٍ صحيح، من منطلق الثقة بنصر الله “سبحانه وتعالى”، وتأييده، والثقة بوعده الحق الذي لا يتخلف، كما قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[الصف: 8-9]، الرسالة الإلهية هي رسالةٌ منتصرة، والوعد الإلهي بالنصر لرسل الله، ولرسالة الله، ولأتباع الرسالة الإلهية؛ إنما عليهم أن يتحركون بهذه الرسالة، بجاذبيتها، بعظمتها، وهي صلةٌ بالله “سبحانه وتعالى” وبتأييده.
ومن المهم السعي لتقديم الهدى بشكلٍ صافٍ، وبحقيقته الجذَّابة المؤثرة، وتقديمه كحل للأمة، لكل مشاكلها في كل المجالات، مع العناية بحسن التبيين الذي يفيد، الحق في أصله يزهق الباطل، الباطل هو بطبيعته زاهق، ولكن الأمة تحتاج إلى حسن التبيين، وتحتاج إلى ملامسة همومها، ومشاكلها، والإيضاح لها على ضوء القرآن الكريم، والاقتداء برسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، الذي حقق الله على يديه أرقى وأعظم نجاح، في انجاز ما وعده الله به، وما وصل إليه من تغييرٍ كبيرٍ، وتغييرٍ جوهري في الواقع، فأزاح بنوره ظلمات الجاهلية الأولى.
نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛