هُنا في ضحيان وفي اللحظات الأخيرة قبيل الاستشهاد، كان التلاميذ الصغار يتلون القرآن، فيما كانت طائرات تحالف العدوان تُحلق في الأرجاء باحثةً عن وجبتها الدسمة والمُدرجة في بيانات بنك أهدافها، شاهدها الأطفال وكأنها شفراتٌ حادةٌ تقتطع السماء الزجاجية، أزيز أصواتها الصاخبة يشوه وجه النهار، ووسط ذلك الفزع وتلك المشاهد المُرعبة أخرج أحدهم هاتفه الجوال ليوثق لحظات ما قبل المجزرة.
كان يصوّر بعض زملائه الصغار وهم ينزلون من الحافلة في سباقٍ ليقرؤوا فاتحة الكتاب فيما ظل بعضهم راكباً، والذين أصروا على إتمام القراءة، تعاظم الخوف لديهم ليتفرقوا، فمنهم من طفق راجعاً ومنهم من دخل الروضة، حيث تحوّلت عدسة الهاتف نحو لوحةٍ معلقة كُتب عليها “السلام عليكم يا من صبرتم، السلام عليكم يا من أعزنا الله بتضحياتكم، السلام عليكم أيها الأبرار، أسكنكم الله جنات تجري من تحتها الأنهار”، وكأن اللوحة تلك قد استبقت المجزرة التي طالتهم هُناك، بينما كانت الكاميرا لا تزال مستمرةً في التسجيل، انطلق الأطفال المذعورون نحو قبور الشهداء الكائنة في محاذاة الغرفة الكائنة عند باب روضة الشهداء، كُـلُّ واحدٍ منهم راح يبحث عن قريبٍ له أَو صديق، فكانت هي لحظاتهم الأخيرة والحافلة التي أقلتهم مثواهم الأخير.
انتهى التصوير على صوت الانفجار وتطاير الأشلاء، حينها توقف الزمن معلناً عن أكثر من 125 ما بين شهيدٍ وجريح، حينها اتضح للعالم كيف قست القلوب وتحجّرتْ؟، وكيف سُحقت أحلام النشء؟، وكيف اغتيلت براءة الطفولة؟ دون أن يهتز جفنٌ للقاتل المجرم، دون أن يتحَرّك شعور أَو موقف صريح لدعاة حماية الطفولة، فلا فرق بين القاتل الجلاد والساكت عنهُ والمبرّر له، فجميعهم أصابعهم ملوثة وتاريخهم أسود، وإلّا لما غضوا الطرف عن أشلاء الأطفال وعن دمائهم، وعن الدم النازف من أطفال اليمن حتى اللحظة، وفيما القاتل السفاح يقف على جثث الطفولة والبراءة، يقف المجتمع الدولي صامتاً، غير أن هذا الدم الطاهر المسفوك سيروي تراب اليمن صموداً وثباتاً، عزةً وكرامة، وسيكون شاهداً على خبث وجبانة القاتل، وخسة ونفاق المتواطئ، وسقوط آدميتهم جميعاً، وسيكون اللعنة التي ستلاحقهم مهما طالت الأزمنة.