أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَلِكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عَبْدُه ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وباركت على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الأخوة والأخوات:
السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
قدَّمنا بالأمس عرضاً موجزاً على ضوء الآيات المباركة من سورة البقرة، التي نزل فيها التشريع من الله “سبحانه وتعالى” لفريضة صيام شهر رمضان، والتي تعتبر ركناً من أركان الإسلام، ويتبين لنا من خلال تلك الآيات المباركة الأهمية الكبيرة لهذه الفريضة العظيمة، وما اقترن بها من تسهيلات تراعي مختلف الظروف التي يعيشها الإنسان: كحالة المرض، وحالة السفر، وحالة العجز والضعف لدى الطاعنين في السن… وما شابه ذلك من الحالات، كما لاحظنا- فيما مضى- بالأمس الفوائد والمكاسب المغرية والعظيمة والمهمة المترتبة على هذه الفريضة المباركة، مما يجعل من هذه الفريضة المباركة جذَّابةً ومهمةً للإنسان؛ باعتبارها تمثِّل عاملاً مساعداً مهماً وفعَّالاً ومؤثراً لهذا الإنسان على المستوى التربوي، للسيطرة على غرائزه، وتكسبه قوة الإرادة، وقوة العزم، وقوة التحمل؛ فيتحرك في ميدان هذه الحياة للنهوض بمسؤولياته، وللاستقامة الأخلاقية والسلوكية والعملية، وهذا مكسبٌ عظيمٌ، ومكسبٌ مهم، فصيام شهر رمضان وسيلة عملية تربوية مهمة جداً؛ وبالتالي يفترض بالإنسان أن يدرك قيمة هذه النعمة كنعمة من الله “سبحانه وتعالى”، ولهذا وجَّهنا الله أن نكبره على عظيم ما هدانا إليه، وأن نشكره، وتختتم- دائماً- فريضة صيام شهر رمضان بعد كمال شهر رمضان بمناسبة معروفة هي مناسبة عيد الفطر، العيد هو تعبير عن الاحتفاء بهذه النعمة، والشكر لله “سبحانه وتعالى” عليها، ولذلك في صلاة العيد هناك ذكرٌ من أهم أذكارها هو التكبير، {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: من الآية185]، ففي صلاة العيد التكبير ذكر رئيسي يتكرر فيها كتعبير عن التعظيم لله “سبحانه وتعالى” على عظيم ما هدانا إليه، أنه هدانا لما هو من النعم العظيمة، ولما له نتائج كبيرة، وآثار مهمة وعظيمة في أنفسنا وفي أعمالنا؛ وبالتالي في واقع حياتنا، فيجب أن يكون لدينا الوعي عن هذه الفريضة؛ لأنه في العادة يركِّز الكثير من الخطباء ومن المرشدين ومن العلماء في الخطاب الديني على التركيز على الثواب والحسنات فحسب، ولا يركِّزون على النتائج المهمة لمثل هذه الفرائض العظيمة مثل قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: من الآية183]، وتأتي الحسنات والأجر والفضل والمكاسب الكبيرة في الدنيا وفي الآخرة بناءً على هذه النتيجة المهمة: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، والذي نحتاج إليه هو الاستحضار لهذا الهدف المهم من الصيام، لهذه النتيجة المترتبة عليه، إن نحن انطلقنا لأداء هذه الفريضة بشكلٍ واعٍ، وبفهمٍ صحيحٍ لها، وما يترتب عليها، والتزمنا أثناءها، أثناء شهر رمضان نلتزم ونتقي الله “سبحانه وتعالى”، نحذر من المعاصي بكل أشكالها وأنواعها، ونحذر- كذلك- من التجاوز لحدود الله، سواءً تجاه المفطِّرات في المأكولات، أو المشروبات، أو المعاشرة الزوجية خلال شهر رمضان في النهار منه، أو سائر المعاصي في الليل أو النهار التي هي خطيرة على الإنسان، وستفقد الإنسان الاستفادة من صيام شهر رمضان إذا لم يتق الله في شهر رمضان، فمن المهم أن نستحضر هذه المسألة، ونحرص على أن نرسِّخها في ذهنيتنا وفي وجداننا؛ ليكون لها الأثر في واقعنا العملي.
مما مرَّ بنا أيضاً بالأمس قول الله “سبحانه وتعالى”: {وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ} [البقرة: من الآية187]، عندما أتى الحديث عن حِلِّيَّةِ المعاشرة الزوجية في ليالي شهر رمضان، في الليل وليس في النهار، والله “سبحانه وتعالى” يلفت نظرنا إلى أن يكون لدينا الوعي عن أهمية كلما أحلَّه الله لنا في جوانب مهمة، وليس فقط لإرضاء الغريزة والشهوة لدى الإنسان. لا، إنما هناك أيضاً إضافةً إلى أن هذا يتحقق للإنسان بالحلال، ولكن هناك أيضاً مسائل مهمة يلتفت الإنسان إليها، يحرص كلٌ من الزوج والزوجة أن يكون لهما ذريةٌ طيبة، هذه مسألة مهمة، ونحن في زمن فيه أحداث كبيرة وجسيمة، وصراع، وشهداء كثر، والأمة تضحي كل يوم بتضحيات كبيرة، يحتاج الناس إلى الذرية الطيبة، ليس في الإسلام برنامج تحديد للنسل، يمكن فقط مراعاة الظروف الصحية إذا كانت المرأة تمر بظروف صحية تعاني بسببها من الحمل، أو من الولادة، أو من كثرة الحمل والولادة، هذه الحالة يمكن أن تراعى، أما لسبب الرزق؛ فمن سوء الظن بالله -سبحانه وتعالى- أن يتصور الإنسان أن كثرة العائلة أو الأسرة سيسبب له مشكلةً في الرزق، {اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: من الآية58]، أو أسباب أخرى: أن ذلك يعبر عن سلوك حضاري. لا، لا يعبِّر عن سلوك حضاري، الأمم الأخرى هي أمم كثيرة، الأمريكيون، الصينيون، الغربيون، أمم كثيرة، اليابانيون، ذلك البلد مائة مليون، وذلك البلد مئتين مليون، وذلك البلد مليار، وذلك البلد… أعداد كبيرة من السكان، والرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” حينما قال فيما روي عنه: (تزوجوا فإني مكاثرٌ بكم الأمم) الأمم الأخرى كثيرة، الأمم التي لنا صراع معها، الأمم التي تمثِّل خطورةً علينا بأطماعها وسعيها للسيطرة والاستحواذ، الأمم التي تعادينا، طبعاً بعض الرواة لم يفهموا النص؛ فأضافوا عبارة: (يوم القيامة)، مع أنه في النص الصحيح لا توجد إضافة (يوم القيامة)، هنا في الدنيا الأمة بحاجة إلى طاقتها البشرية وقوتها البشرية وهي تواجه التحديات وتنهض بالمسؤوليات، عموماً هذا بعض ما ورد في تلك الآيات المباركة وعرضناه بالأمس.
ولنا وقفات حول نقاط مهمة وردت في الآيات المباركة، وبالدرجة الاولى في الآية الأولى منها، قول الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: الآية183] لنا هنا وقفة تأمل وتدبر مع النداء الإلهي، الله “سبحانه وتعالى” نادانا في هذه الآية المباركة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، وخاطبنا بهذا النداء، ووجهنا إلى ما وجهنا إليه، الله “سبحانه وتعالى” ينادي البشرية، ينادي الناس، ينادي الإنسان، لم يترك البشر في حالة فراغ من توجيهاته وتعليماته وهدايته وإرشاده، نادى البشرية في كل مراحل التاريخ، بدءاً منذ الوجود البشري منذ آدم “عليه السلام” وخاطبه الله، وناداه الله، وعلَّمه الله، ووجهه الله “سبحانه وتعالى”، ثم هكذا عبر مختلف الأزمنة وفي كل مراحل التاريخ يأتي الخطاب إلى البشرية، إلى الناس، إلى الأمم، من خلال أنبياء الله ومن خلال رسله، فالله “سبحانه وتعالى” هو الرب، هو الملك، هو الإله للسموات والأرض وللناس، لم يترك هذه البشرية من أن يخاطبها ويوجهها ويناديها ويأمرها وينهاها، ثم وراء هذا الحساب والجزاء في الدنيا وفي الآخرة، هذا أول درس تجاه النداء الإلهي.
ثم نأتي إلى النداء الذي يتوجه إلى الذين آمنوا نلاحظ أن الله -سبحانه وتعالى- في كثيرٍ من الآيات في القرآن الكريم يخاطبنا بهذا النداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، أشرنا بالأمس إلى أننا بحسب انتمائنا الإيماني، انتمائنا للإيمان هذا العنوان المهم في حالة ميثاق، الانتماء- بحد ذاته- ميثاق بيننا وبين الله “سبحانه وتعالى” على السمع والطاعة، دخول في دائرة الرعاية الإلهية: أننا أصبحنا محط رعاية خاصة من الله “سبحانه وتعالى” بهذا الانتماء للإيمان، وبالإيمان نفسه، نتلقى من الله “سبحانه وتعالى” التوجيهات، الأوامر، الهداية، الحلول لمشاكل هذه الحياة، الهداية تجاه كل شؤون هذه الحياة، وارتباطنا بالله “سبحانه وتعالى” من خلال هذا الانتماء الإيماني ارتباطنا به “جلَّ شأنه” كمصدر نتلقى منه: التوجيهات، الأوامر، نضبط مسيرة حياتنا على هذا الأساس، هذه تعتبر نعمة عظيمة لا يساويها نعمة على الإطلاق.
أيها الأخوة والأخوات، أيها الأعزاء والعزيزات: في هذه الحياة، وفي الواقع البشري للأمم وللأقوام والناس في هذا الزمن وعبر مراحل التاريخ، الكثير والكثير من الناس يتحركون في واقع حياتهم، في أعمالهم، وفي مواقفهم، وفي الكثير من مسؤولياتهم بناءً على ما يتلقونه من توجيهات، أو أوامر، أو رؤى وأفكار أتتهم من هنا أو هناك، الإنسان لا يعيش حالة الفراغ في هذه الحياة، هو متلقي، الإنسان هو متلقٍ يتلقى تعليمات، توجيهات، أوامر، يسير في شؤون حياته على أساسها، وهذا هو الذي عليه الواقع البشري لمختلف الشعوب والأمم والأقوام، في كثيرٍ من الحالات قد تكون أمةٌ من الأمم، أو شعبٌ من الشعوب، أو قومٌ من الأقوام يبنون مسيرة حياتهم في الأعمال والمواقف، وفيما يلتزمون بفعله، وفيما يلتزمون بتركه، وفي الإجراءات والعقوبات والسياسات، منهج حياتهم بشكلٍ عام، أفكار، أوامر يتلقونها من شخصٍ ما، قد يكون طاغيةً، قد يكون مجرماً، لا يملك تجاههم ذرةً من الرحمة، ولا من الشفقة، ولا من الاهتمام بأمرهم، لا ينطلق فيما يوجههم به، أو فيما يقدِّمه لهم من رؤى وأفكار من موقع الرحمة بهم، أو من حساب مصلحتهم، بل من حساب ما يعزز موقعه، ما يمكِّنه من السيطرة عليهم أكثر، ما يزرع في قلوبهم ونفوسهم الرعب والخوف منه، ما يمكِّنه من السيطرة التامة عليهم… وهكذا حسابات أنانية وشخصية وظالمة ومتكبرة، والبعض قد يحمل حسن النية تجاه شعبه، أو تجاه قومه، أو تجاه أمَّته، يريد لهم الخير، ولكنه من واقعه هو كإنسان غافل، قاصر، لا يمتلك الكمال المطلق الذي يمتلكه الله “سبحانه وتعالى”، بل هو إنسانٌ ضعيفٌ، عاجزٌ، جاهلٌ، غافلٌ، متأثرٌ بواقعه النفسي في حساباته الشخصية، في واقعه النفسي: في رغباته، في شهواته، في مخاوفه، ومحدود القدرة، محدود العلم، محدود الرحمة، محدود المعرفة، محدود في كل شيء، الإنسان له حدود في كل شيء، حتى لو امتلك حسن النية.
ولهذا يجب أن نستشعر نحن الذين آمنوا، نحن كمجتمعٍ مسلم، قيمة الخطاب الإلهي، قيمة النداء الإلهي، قيمة الهداية الإلهية، هذه النعمة العظيمة، قيمة ما يأتينا من الله “سبحانه وتعالى”، أن يكون المصدر الذي نتلقى منه التوجيهات، الهداية، التعليمات، الحلول لمشاكل هذه الحياة، الإرشادات لما علينا أن نفعله في هذه الحياة، أن يكون هو الله “سبحانه وتعالى” بكماله المطلق، برحمته التي وسعت كل شيء ولا حدود لها، بعلمه بكل شيء، بعلمه المطلق، بعلمه الذي لا يحده حد، الذي شمل كل شيء، ووسع كل شيء، وأحاط بكل شيء، الذي يعلم السر في السموات والأرض، العليم بذات الصدور، العليم بمن خلق {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: من الآية14]، العالم بالغيب والشهادة، العالم بالماضي والحاضر والمستقبل، العالم بكل الجزئيات والتفاصيل، لا تسقط ورقة إلَّا هو يعلمها، يعلم ما هو في أعماق البحار، وما هو في السماوات والأرض، محيطٌ بكل شيءٍ علماً، محيطٌ بجزئيات كل هذا العالم، وبأحوال الإنسان في كل ظروفه وفي كل شؤونه، أن يكون الله الذي هو ملك السماوات والأرض، الذي هو الخالق لهذا الكون الفسيح الكبير، الذي بنى هذه السماوات والأراضين، وبنى هذه المجرات وهذا العالم، ويدير كل شؤونه، ويدبر كل أمره، الله “سبحانه وتعالى” ملك السماوات والأرض أن يكون هو المصدر الذي نتلقى منه التوجيهات والأوامر، هذه نعمة عظيمة جداً، والكثير من البشر هم بعيدون عن هذه النعمة؛ لأنهم لم ينتموا للإيمان، لم يؤمنوا بالله وكتبه ورسله، بعيدون عن هذه النعمة.
الله -سبحانه وتعالى- يذكرنا بهذه النعمة في قولة -جلَّ شأنه-: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [المائدة: من الآية7]، يقول -جلَّ شأنه- في آيةٍ أخرى في سورة البقرة في سياق الحديث عن أحكام الطلاق، تلك الآية أتت في سياق الحديث عن وضوء، وما قبل ذلك من تعليمات، وما بعد ذلك من تعليمات وتوجيهات عن القيام بالقسط، وعن الجهاد في سبيل الله…الخ. في سورة البقرة في سياق الحديث أو التوجيهات الإلهية المتعلقة بأحكام الطلاق يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُواً وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: من الآية231]، فهي نعمة، نعمة عظيمة ما أنزل الله علينا من الكتاب والحكمة، ما أعطانا من التعليمات الإرشادات والتوجيهات المهمة لحياتنا، لصلاح حياتنا، لصلاح أنفسنا، لحل مشاكلنا، لاستقامة حياتنا، لمصلحتنا في الدنيا ولمصلحتنا في الآخرة، تعتبر نعمةً عظيمةً ومهمة، وفي نفس الوقت حجةٌ علينا، وخسرنا في الواقع كمجتمعٍ مسلم خسرنا الكثير والكثير، بقدر ما ابتعدنا عن هذه التعليمات والتوجيهات، كل توجيهٍ من توجيهات الله “سبحانه وتعالى”، وكل هدايةٍ من الله -سبحانه وتعالى- وكل تعليمٍ أو أمرٍ من الله “سبحانه وتعالى” أو نهيٍ لم نلتزم به؛ نخسر في المقابل، في المقابل نخسر، ويكون تأثير سلبي علينا في واقع حياتنا، وخطورة كبيرة علينا في الآخرة أمام العقاب الإلهي.
الوقفة الأخرى فيما يعنيه الانتماء الإيماني: تلك وقفة مع النداء الإلهي، وقيمة الهداية الإلهية، وقيمة التوجيهات الإلهية وأهميتها، وقفة مع الانتماء الإيماني وما يعنيه هذا الانتماء، بنعمة الله كمجتمعٍ مسلم نقول: [نحن مسلمون ومن الذين آمنوا، ونؤمن بالله وكتابه ورسوله…الخ.]، ولكن من المهم لنا أن نرسخ ما يعنيه هذا الانتماء في واقع حياتنا، وأن نستحضره في كل شؤون الحياة، وفي كل مواقع المسؤولية، وفي كل الظروف والأحوال؛ لأننا نغفل، ببساطة نغفل عن ما يقتضيه هذا الانتماء، الإنسان في كثيرٍ من شؤونه، وفي كثيرٍ من حالاته، وفي كثيرٍ من مواقع المسؤولية قد يغفل أو ينسى ما يقتضيه هذا الانتماء، فينطلق بعيداً عن ما ينبغي أن يكون عليه كمؤمن، يعصي الله -سبحانه وتعالى- ينحرف عن نهج الله، عن توجيهات الله، عن أوامر الله، يتحرك من منطلق هوى نفسه، ولذلك نحن بحاجة إلى أن نرسخ هذا الجانب بشكلٍ كبير، انتماءنا للإيمان هو ميثاقٌ على السمع والطاعة لله -سبحانه وتعالى- ارتباط من واقع الحياة في كل شؤون الحياة، في المواقف، والدين مواقف، ويغفل الكثير عن هذه المسألة، في الولاءات والعداوات، في الالتزامات العملية فيما نعمل وفيما نترك، يجب أن نضبط مسيرة حياتنا على هذا الأساس، هناك مثلاً: في الكمبيوترات، في الجوالات، في كثيرٍ من الأجهزة هناك الضبط الذي يضبط البرنامج الكامل، يضبط لك الشاشة، ويضبط لك النمط المتبع… وأشياء كثيرة، نحن كمنتمين للإيمان بحاجة إلى إعادة ضبط- المجتمع الإسلامي- إلى إعادة ضبط لمسيرة الحياة بمقتضى هذا الانتماء، على أساس هذا الانتماء، وأن نستحضر ذلك في كل مواقع المسؤولية، في ميدان الحياة نحتاج إلى هذا، التاجر، والعامل، والفقير، والغني، والعالم، والمتعلم، والعامي… في كل ظروف الحياة وفي كل مواقع المسؤولية، الرجل والمرأة، كل الذين بلغوا موقع التكليف ومرحلة التكليف الإلهي بحاجة إلى استحضار هذا الانتماء، وضبط مسيرة حياتهم عليه.
في مواقع المسؤولية بكلها (كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته) الموظف، المسؤول في كل مواقع المسؤولية: الرئيس، المدير، المحافظ، العسكري، الأمني… كل الذين هم في موقع مسؤولية، في أي مستوى من مستويات المسؤولية عليهم أن يتقوا الله، وأن يستحضروا انتمائهم الإيماني، وأن يضبطوا مواقفهم، تصرفاتهم، أعمالهم، على أساس هذا الانتماء الإيماني، وفق توجيهات الله، وفق تعليمات الله -سبحانه وتعالى- وليس وفق هوى النفس، ولا وفق أهواء الآخرين، هذه مسألة مهمة، وإلَّا فإن الله يحاسب ويجازي، ليست المسألة سهلة يخالف الإنسان، ويتحرك على أساس هوى نفسه في الحالات التي قد يتأثر بها الإنسان:
الإنسان يتأثر مثلاً: في حالة التمكن والثروة، أو القوة والقدرة عندما يكون في موقع مسؤولية معينة فيطغى؛ لأنه أصبح مسؤول أمني، أو لأنه أصبح مسؤول عسكري، أو لأنه أصبح في موقع مسؤولية يستطيع أن يأمر هذا وذاك، ويحرك هذا وذاك، أو يسجن، أو يتعامل بأي طريقةٍ من الطرق للضغط على الآخرين والتأثير عليهم، يطغى البعض، يطغى، يصاب بالطغيان، يتكبر، يتجبر، كم في هذه الحياة من المتجبرين والمتكبرين والطغاة والظالمين والمتسلطين، والذي لأنه امتلك شيئاً من القدرة أصبح لا يتقي الله، لا يرقب الله، لا يلتزم بتوجيهات الله -سبحانه وتعالى- إذا غضب، إذا انفعل، إذا تعصب، إذا تحرك هوى النفس؛ انطلق بناءً على ذلك، ولم يتق الله -سبحانه وتعالى-.
أو في الحالات الأخرى، الإنسان في حالة المخاوف: الخوف من القتل، الخوف من الفقر، الخوف على المكانة الاجتماعية… الخوف بأي شكلٍ من الأشكال، البعض عند هذه الحالة ينسى الله، ينسى انتماءه الإيماني، ينسى الالتزام بتوجيهات الله -سبحانه وتعالى- وبالتالي نحن بحاجة- كما قلنا- إلى استحضار انتمائنا الإيماني في كل حالات الحياة، وفي كل الظروف، وفي كل مواقع المسؤولية، وفي كل مجالات الحياة؛ حتى نستقيم وفق توجيهات الله -سبحانه وتعالى- وعلى أساس تعليماته؛ فنتقي الله -سبحانه وتعالى- نتقي الله -جلَّ شأنه- وهذه وقفه مهمة من المهم أن نعززها في شهر الصيام؛ حتى لا نكون ممن يعبدون أنفسهم لهوى أنفسهم: للانفعالات والرغبات، الصيام يعيننا، وسيلة عملية تعيننا وتساعدنا للسيطرة على النفس، ولضبط النفس، وضبط واقع الحياة على أساس انتماءنا الإيماني، السيطرة على الرغبات، والسيطرة والتحمل أمام المتاعب والصعوبات، هذه نقطة مهمة جداً.
من الأشياء المهمة التي أتت في الآيات المباركة بالأمس هي: الحديث عن القرآن الكريم، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: من الآية185]، لو نفتح ملف العلاقة مع القرآن في واقعنا كأمةٍ إسلامية ومجتمعٍ مسلم فالحكاية طويـــــــــلة جداً.
الخلاصة: أنَّ القرآن الكريم هو كتاب هداية، نهتدي به، نسترشد به في كل شؤون الحياة، وفي المواقف والأعمال والتصرفات، وهو الخلاصة للدين الإلهي، والمتضمن للرسالة الإلهية، ونحن سنحاسب في الدنيا والآخرة من الله -سبحانه وتعالى- على أساس علاقتنا بهذا الكتاب، المشكلة في واقعنا كمجتمعٍ مسلم: أن أغلب الرؤى، أكثر المفاهيم، معظم التصورات ليست من القرآن، ولا على أساس القرآن، ولا متفقةً مع القرآن، ونتأثر بها في هذه الحياة، وأكثر المسلمين مطننين، مفكرين تفكيرات منفصلة عن الاهتداء بالقرآن: سياسيون كم يفكرون تفكيرات بعيداً عن العودة إلى القرآن، المسألة مفصولة في الذهنية، ليس هناك تفكير من الأساس إلى أن نرتبط بالقرآن الكريم، أن نرتبط به، أن نعود إليه، أن نهتدي به، أن نسترشد به، غائبة هذه المسألة، بقية الفئات والمسؤولين، والكثير من الناس كذلك انفصلوا حتى على المستوى الذهني عن مسألة العودة إلى القرآن الكريم ككتاب هداية، معظم وأغلب الأفكار والمفاهيم والتصورات بعيدة عن القرآن الكريم، أكثر المواقف ينطلق فيها الكثير من الناس بعيداً عن القرآن الكريم، لا يحسب حساب للعودة إلى القرآن الكريم وتصحيح موقفه من خلال القرآن الكريم، وفراغ في الذهنية فراغ رهيب وخواء، لا يوجد حضور للمفاهيم القرآنية، والتعليمات القرآنية، والتقييم القرآني في الذهنية، ذهنية فارغة، تحشى ذهنية الإنسان المسلم من مراحل التعليم الأولى، وخارج مسار التعليم فيما يسمعه من الإعلام أو من الناس تحشى حشواً بالكثير والكثير من: المفاهيم المغلوطة، والتصورات الخاطئة، والعقائد الباطلة، والمقولات الفارغة، و… الحشو الكارثي جداً الظلامي، تحشى بالظلام، {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: من الآية40].
نحن بحاجة إلى أن نصحح علاقتنا بالقرآن الكريم، لاحظوا أيها الإخوة مما يجلي هذا الواقع العام، المواقف العامة، المشاريع العملية، ومما يجلي هذا الضياع وهذا التيه المواقع (مواقع التواصل الاجتماعي) يأتي إنسان ضال تافه، يطلق أي مقولة، يحظى بخمسين ألف معجب، ستين ألف معجب، أحياناً ملايين المعجبين والمتأثرين بفكرته، أو بمقولته، أو بطرحه، فراغ، فراغ الساحة الإسلامية، الشباب يعيشون هذا الخواء، نحن بحاجة إلى العودة إلى القرآن، نحن بحاجة إلى أن نملئ ذهنيتنا كمسلمين بالمفاهيم القرآنية، بالمعارف القرآنية؛ حتى لا نعيش حالة السذاجة، حالة الغباء، فيأتي أي إنسان يغرد ويضحك ويخدع ويقنع الكثير الكثير من الناس، نحن بحاجة إلى أن نستفيد من هذا الشهر المبارك بفريضة الصيام التي اقترنت بهذا الزمن المبارك شهر رمضان، والذي هو شهر نزول القرآن، لنصحح، ونؤسس هذا الارتباط والتلقي بالهدى من الله -سبحانه وتعالى- بالله -جلَّ شأنه- بهديه، بنوره، بتعليماته، بتوجيهاته، ونعيد هذا الارتباط لنضبط به مسيرة حياتنا.
أكتفي بهذا المقدار، ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفقنا وأياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن يثبت مجاهدينا، وينصرهم بنصره، ويعينهم بعونه، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛