نص كلمة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة العرس الجماعي الثالث 6-4-1444هـ

 

حياكم الله جميعاً وأهلاً وسهلاً ومرحباً…

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.

أيُّها الإخوة الحاضرون جميعاً بدءاً بالعرسان، الذين نحتفل اليوم بهذا الحفل الذي أقيم ابتهاجاً لهم، وبمناسبة عرسهم الجماعي الثالث، وأيضاً نرحب بكل الحاضرين جميعاً، نرحب بالجميع: العرسان، وكافة الحضور من الآباء العلماء، والإخوة الوزراء، وكافة المسؤولين، وكافة الحاضرين.

ونتوجه بالمباركة والتهاني للإخوة العرسان، بمناسبة عرسهم الميمون والمبارك إن شاء الله تعالى، كما نتوجه بالإشادة والتقدير للإخوة العاملين في هيئة الزكاة، الذين لهم الدور الكبير في إقامة هذا العرس الجماعي، ولهم الجهود الكبيرة من أجل هذه الشعيرة المباركة.

في هذه المناسبة المباركة والطيِّبة نتحدث باختصار وتقديراً للظروف والمقام:

إنَّ الدور الذي تقوم به هيئة الزكاة في كافة المجالات المتعلقة بالفقراء، بالاهتمام الشامل بهم: على مستوى الرعاية الصحية، وعلى مستوى الإغاثة، وعلى مستوى برامج التمكين الاقتصادي، ذات الأهمية الكبيرة، وعلى مستوى الاهتمام بهم، والاهتمام بالغارمين، والاهتمام بالمعسرين، والاهتمام الشامل والمتنوع في إطار التعليمات الإلهية، وفي حدود المصارف الشرعية، هو دورٌ عظيم، ودورٌ مهم، ودورٌ كبير، نلمس ثماره في الواقع، ودورٌ مشرِّف؛ لأنه يتجه وفقاً لتعليمات الله “سبحانه وتعالى”، ويرعى لأبناء شعبنا وأبناء أمتنا كرامتهم واعتبارهم، ولا يتجه من منطلقات الاستغلال السلبي، كما تفعله المنظَّمات، التي تعمل بناءً على أهداف سيئة، واستغلالية، وتمس بكرامة المجتمع، وبأخلاقه، وبقيمه.

أمَّا الدور الذي تقوم به هيئة الزكاة، فهو في إطار إحياء ركنٍ من أركان الإسلام، وفريضةٍ من أعظم فرائض الله تبارك وتعالى، فيها الخير للناس جميعاً، الخير بدءاً للمزكين، الذين هي تطهرةٌ لنفوسهم، وبركةٌ ونماءٌ لأموالهم، ولها أثرها الإيجابي في أيضاً إرساء مبدأ التكافل الاجتماعي، وتعزيز الروابط بين أبناء المجتمع، وإغاثة المحتاجين، وإعانة الفقراء والمساكين، فلها أهميتها الكبيرة من كل الجوانب، وتمتد هذه الآثار والبركات إلى الاستقرار الاجتماعي، والاستقرار الأمني، وإلى الازدهار الاقتصادي، لها آثارها الواسعة، التي هي من مصاديق وشواهد حكمة الله “سبحانه وتعالى” فيما شرعه لعباده، فهو شرع لهم ما فيه الخير لهم؛ لأنه الغني عنهم، وعن طاعتهم، وإنما شرع ما شرع من أجل ما فيه الخير لهم هم، وما فيه الدفع لكثيرٍ مما يضر بهم، فهاهنا نشهد أهمية هذه الفريضة، التي أكَّد القرآن عليها كثيراً، إلى درجة أن يقترن الأمر بها في كثيرٍ من الآيات القرآنية مع الأمر بإقامة الصلاة، فيقول الله “سبحانه وتعالى”: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، ويؤكِّد رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في حديثه المشهور على هذا الاقتران، وهذا التلازم، بقوله: ((لا صلاة لمن لا زكاة له))، من يبخل بالزكاة ولا يخرجها هو مفرِّطٌ، ولا يقبل الله منه صلاته، ولا يقبل الله منه سائر أعماله، كل من يلزمه هذا الحق ثم يبخل به، ولا يخرجه، يعتبر مفرِّطاً في دينه، ومقصِّراً تقصيراً عظيماً، ويعتبر في واقع الحال منحرفاً انحرافاً كبيراً عن الالتزام بتعليمات الله “سبحانه وتعالى”، وأداء فرائضه، إلى درجة أن يقول رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”: ((مانع الزكاة وآكل الرباء حرباي في الدنيا والآخرة))، فلذلك تعتبر هذه المسألة مسألة مهمة جداً.

وفي هذا المقام نؤكِّد على الإخوة من رجال المال والأعمال، أن يهتموا بإيتاء الزكاة، أن يخرجوا هذه الفريضة، كل من يلزمهم هذا الحق من المسلمين عليهم أن يبادروا إلى اخراجه، إخراج هذا الحق وإيتاء الزكاة، له آثاره الكبيرة، وبركاته العظيمة، ونتائجه الطيِّبة في النفوس، وفي الواقع، وفي الحياة، ويعزز الروابط الاجتماعية، ويحد من معاناة الفقراء والمساكين، ويعالج الكثير من المشاكل الحياتية، تصلح به الحياة، وتستقر به الحياة، وتزدهر به الحياة، ويغني أبناء هذه الأمة عن الاحتياج إلى أعدائهم، الذين إن قدَّموا شيئاً؛ قدَّموه باستغلال، وبأهداف سيئة، وبمآرب شيطانية، ثم يستغلونه لتعزيز نفوذهم فيما يضر بمجتمعنا.

الله “سبحانه وتعالى” جعل هذا الركن حلاً لمشكلةٍ كبيرة في الواقع الاجتماعي، وجعل عليه أيضاً من الأجر والبركات ما فيه الخير العام، وما يساهم في تحقيق السعادة لمجتمعنا المسلم، ولذلك من المهم العناية بأداء الزكاة وإخراجها.

دور الهيئة دورٌ مهم؛ لأنه ينظِّم صرف هذا الركن، صرف هذه الفريضة بشكلٍ مفيد، ونافع، وإيجابي، وكذلك بشكلٍ يعالج به الكثير من الإشكالات في الواقع، من خلال برامج مدروسة ومنظَّمة، والهيئة تبذل جهداً كبيراً في ذلك، وأداؤها ناجحٌ إلى حدٍ كبير، وهذا ملموسٌ في أرض الواقع، ومن كان له ملاحظات، أو نصائح، أو يريد أن يقدِّم أو يساهم بشيء مما يدعم عمل هذه الهيئة، فليقدمه إليها، بعيداً عن أسلوب الأعداء، الذين يحاربون هذه الهيئة، ويحاربون هذا الركن من أركان الإسلام، ويحاربون هذه الفريضة العظيمة؛ لإدراكهم لأهميتها في واقع الحياة، ولقيمتها الدينية والإنسانية والأخلاقية.

أعداء الإسلام، وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل، ومن يدور في فلكهم، ويتعاون معهم، حاربوا فريضة الزكاة، حاربوها على عقود من الزمن، وحاولوا أن يحرفوها عن مسارها، وحاولوا أن يفقدوا المجتمع قيمتها، وأثرها، ونتائجها، وحاولوا أيضاً أن يحرموا المجتمع من بركاتها، وما تمثله من صلة بالله “سبحانه وتعالى”، وسبب للرزق، وسبب للخير، وسبب للبركات، في ظل حربهم الشعواء على الإسلام والمسلمين، واليوم هناك فرصة كبيرة لإحياء هذا الركن العظيم، في ظل السعي في ذلك من الجهات الرسمية والشعبية، في إطار توجه شعبنا الإيماني، الذي يجسِّد انتماءه الإيماني، وهويته الإيمانية، التي عبَّر عنها رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، بقوله: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية)).

أيضاً من المهم في هذا المقام أن نؤكِّد على أبناء مجتمعنا بالاهتمام بتيسير الزواج، وتخفيض تكاليفه على مستوى المهور وبقية التكاليف، هذه مسألة مهمة؛ لأن كثيراً من العادات والالتزامات التي تضاف على مسألة الزواج، هي أعباء كبيرة، تشق على الفئة الكبيرة من أبناء المجتمع، وهم الفقراء، وتعسِّر مسألة الزواج، وهذا ما يريده أعداء الإسلام والمسلمين؛ لأنهم يسعون إلى نشر الفساد في الأرض، ويحاولون أن يستغلوا تعقيدات مسألة الزواج، ومسألة الحلال، فيحاولون أن ينشروا الفساد من خلال حربهم المسماة بالحرب الناعمة، هي حرب شيطانية، مفسدة، فتيسير تكاليف الزواج مسألة مهمة جداً، نقتدي فيها برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وهو قدوتنا وأسوتنا كما قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: الآية21]، هو الأسوة والقدوة في تيسير تكاليف الزواج، والحث على ذلك، وتقديم النموذج في ذلك، وهذا شيءٌ معروفٌ في السيرة النبوية، فنحن من واجبنا أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار، ولأنه يدخل من باب البر والتقوى، والتعاون على البر والتقوى، والحفاظ على صلاح المجتمع، والحفاظ على هويته الإيمانية، وهو أيضاً يجسِّد القيم الإيمانية، في الإحسان، والتعاون، والتراحم، والتواصي بالمرحمة، وهذا شيءٌ مهم، ونحن نؤكِّد على ما ذكره سماحة المفتي “حفظه الله” في توصيته بأن يهتم المعنيون في مختلف المحافظات، من سلطات محلية، وشخصيات اجتماعية… وغيرهم، في هذا الأمر، في أن يكون هناك التزامات مكتوبة، ووثائق تتضمن بنوداً واضحة في الالتزام بذلك، وعمل على تطبيق ذلك، والالتزام بذلك، هذا مهمٌ جداً لمجتمعنا في التصدي لمساعي الأعداء لإفساده، ولتدمير حياته، وللتضييق عليه في معيشته، هذه مسألة في غاية الأهمية.

إضافةً إلى أنَّ مما نوصي به مجتمعنا المسلم العظيم: أن يكون مجسِّداً لهويته الإيمانية، وانتمائه الإيماني، والتزاماته الإيمانية، في طريقة إقامة الأفراح والأعراس، وأن يتجنب ما يمس بهذه الهوية، أو ما يشكل ضرراً على المجتمع وعلى استقراره، مثل مسألة إطلاق العيارات النارية في الأفراح، هذه مسألة تشكل خطراً على أمن الناس، وعلى حياتهم، وكذلك مظاهر الإسراف، والمظاهر والسلبيات التي تتنافى مع الهوية الإيمانية والقيم الإيمانية، ينبغي الحذر منها وتجنبها.

وكذلك من الظواهر السلبية التي تزعج أبناء المجتمع: استخدام مكبرات الصوت في الليل كله، منذ بداية الليل إلى آخر الليل، بشكل يزعج الناس، يزعجهم في الأحياء، يزعجهم في القرى، وبشكلٍ لا داعي له، ولا قيمة له، ولا فائدة له؛ لأنه منغص لحياة الناس، ولسكينتهم العامة، ولاستقرارهم، هذا من الظواهر التي ينبغي تركها والحذر منها؛ حتى لا تتحول مناسبة فرحٍ عند قوم إلى إزعاجٍ للآخرين، وبالذات في الليالي، الناس يريدون أن يناموا، أن يهدؤوا، أن يستقروا، فيأتي من يستخدم مكبرات الصوت بشكل مزعج جداً، هذا لا داعي له في أي مناسبة: مناسبة اجتماعية، أو مناسبة دينية… أو أي مناسبة؛ لأنه يمثل إزعاجاً للمجتمع، وهذه مسألة معروفة.

من المهم جداً أيضاً في ختام هذه الكلمة أن نوجه أيضاً النصح لأبناء مجتمعنا، وللشباب والشابات أن يتجهوا- إن شاء الله- إلى تكوين أسرهم كأسر مؤمنة، أسر تقوم حياتها على أساس المبادئ والتعليمات الإلهية، التي تحقق السعادة للمجتمع، وتهيئ أيضاً للحياة الزوجية أن تكون حياةً طيِّبة.

في الختام نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يكتب لهؤلاء العرسان الحياة الطيِّبة، وأن يوفِّقنا لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مبارك للإخوة العرسان، مبارك لهم، وتهانينا لهم.

رعاكم الله.