يقول الله تعالى في كتابه الكريم ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥) [سورة البقرة]
في هذه الآية الكريمة يرينا الله سبحانه وتعالى عظمة هذا الشهر الفضيل من خلال عظمة ما أنزله الله فيه وهو القرآن الكريم ويرينا بركة هذا الشهر المبارك من خلال ربطه بكتابه المبارك (وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥)’ [سورة الأنعام]
إذن الكتاب مبارك والليلة التي أنزل فيها مباركة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ # حم (١)وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢)’إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣)’فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)’أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥)’ [سورة الدخان]
وهذه الليلة المباركة هي ليلة القدر (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ‘ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)’وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)’لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)’ [سورة القدر]
وهنا في هذه السورة من أولها إلى آخرها ركزت الآيات على عظمة هذه الليلة ، وقدرها الذي بلغ بها ذلك المستوى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)
والأسلوب في سورة القدر في البيان بدأ بالإشارة إلى القرآن (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ) فقوله (إنا) مكون من (إنَّ+نا) الضمير الذي يفيد تعظيم المتكلم ،لنستشف من هذا التعظيم عظمة ما أنزله حيث أن قوله (أَنْزَلْنَاهُ) هو مكون من (أنزل+ناه) ضمير المتكلم الذي يفيد التعظيم ، مع ضمير الغائب الذي يعبر عن المنزل وهو القرآن ، أي أن السورة بدأت بأسلوب فيه التعظيم ، وهو يوحي بعظمة ما أنزله الله وقوله (فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) لانزال نعيش أجواء التعظيم من خلال الأسلوب في التعبير الذي سار عليه الخطاب من بداية السورة بل إن عنوان السورة في حد ذاته ( القدر ) هو يعطينا فائدة وهي أن الخطاب في جوه العام سيكون متعلقاً بالقدر قدر المُنزِل ، وقدر المُنزَل ، وقدر الزمان الذي تم فيه الإنزال (لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ولدينا هنا نكرة ومعرفة ، والنكرة وهي ( ليلة ) واستخدام النكرة في سياق وجو التعظيم ، يكون استعماله للتعظيم وهو أسلوب تكرر استعماله في القرآن لإفادة التعظيم كقوله (‘كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)’ [سورة الأعراف]
فالمقصود هو كتاب عظيم ومهم في مضمونه ومحتواه وغايته وثمرته وكذلك العلة والسبب الذي لأجله أنزل وكذلك قوله جل وعلا ( سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١)’ [سورة النور]
فهي سورة عظيمة ومهمة ، في مضمونها ومحتواها وغايتها وثمرتها والعلة والسبب الذي لأجله أنزلت وفرضت ، وقد يستخدم مع النكرة أسلوب الإشارة هذا كتاب وهو أيضاً من أساليب التعبير البارز في القرآن الكريم (‘وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩٢)’ [سورة الأنعام]
والإشارة مع التنكير والتعريف بالإضافة إلى المتكلم بأسلوب التعظيم كما في قوله تعالى (‘هَٰذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩)’ [سورة الجاثية]
وقد تأتي النكرة موصوفة بما يفيد التعظيم مثل قوله تعالى (‘إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣)’ [سورة الدخان]
وهذا واضح في القرآن..
وبالعودة إلى قوله تعالى (‘ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) [سورة القدر]
نجد أن التعظيم من بداية السورة أتى مؤكداً ثم توالى التعبير وتتابع ..
# إِنَّا : فيه تعظيم
# أَنْزَلْنَاهُ : تعظيم
# فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ : تعظيم
ثم لايتوقف التعظيم عند هذا الحد بل يأتي أسلوب آخر لبيان عظمة وقدر الليلة التي أنزل فيها القرآن (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)’ [سورة القدر] يأتي بالاستفهام زيادة في رفع مدى تعظيم الليلة ورفع متسوى التشويق لمعرفة (القدر ) هي ليلة عظيمة لأنها من ليالي الشهر العظيم وهي أعظم من كل ليالي الشهر لاختصاصها بإنزال القرآن فيها(‘وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)’ [سورة القدر]
فماذا بعد هذا القدر من قدر وهي من ليالي رمضان وقد اختصت بنزول القرآن فيها؟! (‘لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) [سورة القدر]
إذن ومن فضلها وقدرها أنها (.. خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ولايزال مؤشر التعظيم لقدر هذه الليلة يرتفع (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) [سورة القدر] ثم ماذا بعد كل هذا التقدير لمنزلة هذه الليلة ؟
هي من قدرها والاختصاص العظيم الذي حضيت به (سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)’ [سورة القدر]
وكل هذا لنفهم ونعي أن القرآن ؛ قدره ومنزلته وعظمته وفضله وبركته بالمستوى الذي لابد أن يكون هناك عناية بالوقت الذي ينزل فيه ، لابد أن الزمان والوقت الذي يتم إنزال القرآن الكريم فيه محاط بعناية فائقة وله بركة وقدر عظيم ، وأن يكون الاختيار له بذلك المستوى الذي يستخلص ويصفى تصفية ولهذا اختار لنزوله من كل شهور السنة شهرا هو شهر رمضان فهو أفضل شهور السنة وأيامه ولياليه ، أفضل من كل أيام وليالي السنة ، ثم يختار من شهر رمضان ويختار من أيامه ولياليه ليلة هي خير من ألف شهر ، فصفوة الشهور هو رمضان وصفوة الأيام والليالي هي أيام وليالي رمضان ، وصفوة أيام وليالي رمضان هي ليلة القدر هذه فهي صفوة الصفوة ، وهذا لكي ندرك قدر القرآن الكريم ، الذي اختار له أيضا صفوة الملائكة وهو جبريل الأمين عليه السلام ، وصفوة الرسل وهو حبيبنا المصطفى ونبينا المجتبى رسول الله محمد خاتم الأنبياء ومسك الختام صلى الله عليه وآله وسلم ..
وفي آية سورة البقرة يبدأ الحديث عن شهر رمضان (‘شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥)’ [سورة البقرة]
وسورة البقرة هي السورة الوحيدة في القرآن ، وآيتها هذه هي الآية الفريدة في السورة ؛ التي ذكر فيها شهر رمضان فلا يوجد سورة غير سورة البقرة ولا آية غير هذه الآية فيها ذكر لشهر رمضان ..
إذن القرآن له هذه المنزلة العظيمة والكبيرة التي استدعت أن يختار الله له أفضل الشهور ويختار له من ليالي هذا الشهر المبارك ليلة مباركة هي أفضل ليالي رمضان المبارك وأعظمها قدرا ، وبهذا الأسلوب البياني في الربط بين فضل وبركة القرآن الكريم وأهميته ومنزلته وقدره بفضل وبركة الشهر الفضيل وقدر ومنزلة الليلة التي أنزل فيها القرآن ..
وهناك رابط آخر هو رابط التزكية والتربية والشد والجذب إلى الله سبحانه وتعالى وبناء الكيان الإنساني والوجدان الشعوري على الفضيلة والتقوى والهدى والإيمان (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢)’ [سورة البقرة] وحول المتقين قال السيد حسين رضوان الله عليه في الدرس الثالث من دروس سورة البقرة (المتقون ذكرهم، مثلا جاء الحديث من خلال هذه الآيات بالشكل الذي يوحي للناس بأن الإنسان مفطور أساساً على الحرص أن يقي نفسه من أي شر، من أي ألم، من أي عذاب, وهذه نقطة هامة جداً هي قضية ملموسة لدى الناس: أن كل واحد يكون حريصاً على أن يقي نفسه . إذاً هذه تعتبر قضية مساعدة جداً لمن يتحدث مع الناس, لمن يعمل على أن يرتقي بنفسه إلى درجة المؤمنين المتقين, وأن نعرف أن الإنسان نفسه بأنه مفطور على الحذر على أن يقي نفسه مما هو شر، من العذاب, من الأشياء التي هي ضر, هو فقط يحتاج إلى تذكير مستمر, تذكير مستمر. فعندما تذكر الإنسان بقضية، أن فيها خطورة عليه، تقدمها بشكل واضح, تبين له طريقة الوقاية منها، هنا يوجد تجاوب في داخل نفسيته، عادة يوجد تجاوب، وهذه من الأشياء المهمة: أن هذا الدين كما قال الله عنه:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}(الروم: من الآية30) هذه تساعدنا على إزالة مفهوم ـ تقريباً ـ قد يكون نتيجة أننا لا نستقري فطرة الناس وتكون النتيجة عند هذا الشخص: [أن هؤلاء ما رضيوا يسمعوا, ولا رضيوا يفهموا ولا يريدوا الحق ولا ، ولا] بالطريقة هذه يكون سريعاً إلى أنه يتوقف !. لا، إفهم:أن الإنسان هو مفطور على أن يقي نفسه فعليك أنت أن تطور أسلوبك فتعرف كيف تخاطبه حتى يتبين له فعلا: أن القضية الفلانية تشكل خطورة عليه، تبين له: أن عملا معينا أو تقصيراً في عمل معين يؤدي به إلى أن يشقى في هذه الحياة, يؤدي به إلى أن يغضب الله عليه, يؤدي به إلى أن يعذب في نار جهنم، ثم تبين له ما يشكل وقاية من هذه وباستمرار.) والوقاية هي الجُنة التي يجتن بها الإنسان لحماية نفسه وهذا هو نفسه الأثر الذي يؤديه الصيام في تهذيب الأخلاق وتزكية النفوس وتربية الإنسان على الصبر والتحمل والتقوى وقد جاء في الحديث (الصوم جُنة) والتقوى هي الغاية للصوم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)’ [سورة البقرة] وهي التي تدفع الناس لتوقي كل ما يضر بإيمانهم وعلاقتهم بربهم وتوقي كل ما يجعلهم عرضة للسخط والغضب الإلهي والتقوى تمنع الناس من تجاوز ما حذر الله من تجاوزه وتغرس فيهم احترام أحكام الصوم ، والالتزام بالحدود ، واتباع الهدي الذي أتى بخصوص الصيام ، وكذلك ما فيه من الفرقان بين وقتي الإفطار والصوم سواء فيما يتعلق بأول الشهر الذي يبدأ بعد انتهاء شهر شعبان وآخره ، الذي ينتهي بدخول ليل عشية شوال والصوم يبدأ بنهار وينتهي بليل ، أو ما يتعلق ببداية الصوم ونهايته وغايته بالنسبة لكل يوم من أيام الشهر الكريم .. وهذا مما تضمنته الآية الكريمة( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥)’ [سورة البقرة]
وعندما نحاول أن نتأمل في كل ذلك الاهتمام الكبير والعالي بمسألة الزمان الذي نزل فيه القرآن وهو شهر رمضان والاهتمام العظيم والدقيق في استخلاص ليلة من ليالي رمضان لتكون هي المختصة بلحظة النزول لأنه من خلال سورة القدر نفهم أنه مخصوصة بتنزل الأمور العظيمة والعالية القدر (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) [سورة الدخان] وحين يعبر الوحي الإلهي بهذا الأسلوب لتقديم شهر رمضان (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) يعني أن رمضان المبارك له بهذا منزلة وله قدر عالي وعظيم وليس كأي شهر لأنه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) هذا تميُز وتفرُد يجعله محط اهتمام وتقدير ، لينعكس هذا على وعينا في حرصنا واهتمامنا لتكون نظرتنا إليه نظرة إلهية ، ولنجعل شهر رمضان في واقعنا محط تقدير واحترام فلا يكون تعاملنا معه كتعاملنا مع غيره من الشهور أليس هو (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) إذن هو اختير لبرنامج عظيم ، اختير لمسك ختام النبوات ، وتمام عدة الرسالات ، اختير لتنزل المنهج الأقوم ، والكلام الأعظم والسلوك الأكرم ، اختير ليكون محطة التزود بالهدى ، ولاشك أن نزول القرآن الكريم هو حدث عظيم ، وانظر كيف أخبرنا الجن عن ذلك الحدث والزمان وعن السماء في ذلك الوقت (‘وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (٨)’وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ۖ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (٩)[سورة الجن] هناك متغيرات حصلت ، فيما قبل كان لنا فيها (مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ) لكن الأمر اختلف لم يعد الأمر كما كان في السابق (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) ما كان مسموحاً به لم يعد مسموحاً به منذ تلك اللحظة الفارقة في تاريخ الوجود والحياة ، نزول القرآن والتهيئة له جعل السماء في حالة طوارئ وحراسة مشددة ، جعلت الجن معزولين عن السمع (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) هناك ترتيبات جديدة ، أي أنه يوجد أمر عظيم ، وعند قدومه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( أتى شهر رمضان ، شهر بركة وخير ، يغشيكم الله فيه الرحمة ، ويحط فيه الخطايا ، ويستجاب فيه الدعاء ، ينظر الله فيه إلى تنافسكم وتباهيكم ؛ فأروا الله من أنفسكم خيرا ، فإن الشقي كل الشقي ، من حرم فيه رحمة الله)
فأذن اللحظة والوقت والزمان الذي شهده الجن وعاشوا أجواء الترتيب لنزول القرآن ذلك الوقت والزمان كان استثنائياً ومتميزاً ومهيباً وعظيماً ، أليس كل ذلك يدعونا لأن نعد أنفسنا ونتهيأ لهذه الفترة من السنة والوقت من الشهور ، واللحظة والساعة من الليل ليكون اهتمامنا استثنائي وإعدادنا استثنائي ، والبرنامج له استثنائي ، وكل شيء فيه هو استثنائي ،( أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار) إذن هو استثنائي بكل ما للكلمة من معنى ، إذن السؤال كيف نستقبل شهر رمضان المبارك ؟ على كل إنسان أن يتهيأ ويعد نفسه ليبحث عن الجواب انطلاقاً من هذه النظرة إلى هذا الشهر الذي كان له الفضل والقدر والبركة والاختصاص بنزول القرآن العظيم ذلك الكتاب لاريب فيه الذي هو كتاب للحياة .. فالنظرة إلى شهر رمضان المبارك ينبغي أن تكون من زاوية واحدة ونقطة محددة ومن مشكاة النور ، مشكاة القرآن العظيم لابد أن نطل على شهر رمضان من هذه المشكاة ومن هذه الكوة ، من ذلك المقام العالي ، والمنزلة المرتفعة ، لتكون إطلالتنا على الشهر الكريم إطلالة واسعة ومحيطة ، فتكون نظرتنا إلى مكانة ومنزلة وقدر شهر رمضان المبارك مرتبطة بالقرآن ارتباط كلي وإلا فلن تكون النظرة متكاملة ولن تكون الرؤية واضحة ، وسيظل النقص والقصور هو السمة البارزة في كل واقعنا واختم بكلام سيد الكلام الذي أضاء كلامه حين وصله بكلام الرحمن واستمد نوره من نورالوحي الإلهي العظيم ومضى في طريق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ظل الرسالات واقتفى أثر ترجمان القرآن وقرينه الذي أضاء به للعصور واستمر علم الضياء والنور حتى ارتقى جليل القدر في ليلة القدر ، وهذا هو شهيد القرآن يحدثنا عن عظمة